سيزار مينوتى يكتب : أرقام تضحكنا وتبكينا

يقول الرسام الإسبانى الكبير سالفادور دالى: أول من قارن وجنتى الفتاة اليافعة بورقات الزهرة كان شاعراً، أما أول رجل ردد هذا القول فقد كان على الأرجح أحمق.

عندما تحدث صحفى ما قبل سنوات طويلة عن طريقة اللعب ٤/٢/٤ لم يكن يتخيل تبعات ما قاله أبدا، فقد حدث هذا الأمر فى البرازيل وقال بيليه فى تحد كبير وقتها: «سأدفع مليون دولار إذا تمكن أى شخص من إظهار صورة لى تثبت هذا الأمر».

منذ ذلك الوقت وأنا أشعر بأننى تحطمت ومليت وسقطت ضحية لفقر ذكائى مع تلك «الحداثة الجدلية» التى ببعض اللباقة والقليل من المعرفة المتعمقة للعبة نجحت خلال تحليلاتها الأخيرة فى تفجير تعبيرات وأرقام لا تعد ولا تحصى والتى لا علاقة لها أصلا بكرة القدم. إنها بشكل عام مجرد محاولة للتمويه أو إخفاء نظرة أو غرض آخرين. هذا الغرض أنانى وأخرق.

يعكف كل من المدربين والصحفيين على دراسة جميع الاحتمالات مثل ٤/٤/٢ و٣/٤/٣ و٥/٣/٢ و٤/٥/١ أو أى تكوين رقمى آخر قد يكون مجموعة عشرة، إنهم يستخدمون هذه التشكيلات بثقة بالغة تذكرنى، كما أقول دائما، بقائمة أرقام التليفونات ولكنها فى الوقت نفسه، وكما أقول دائما أيضا، لا علاقة لها بلعبة كرة القدم.

فقط أعطونى أسماء اللاعبين الذين تريدون التحدث عنهم وسماتهم الأساسية وأنا سأخبركم من الذين تتحدثون عنهم وما هى أولوياتهم. هذا هو جوابى ومحاولتى لإلقاء بعض الضوء على هراء التشكيلات أو طرق اللعب. فى فريق ريال مدريد القديم، عندما وضع البطل الأوروبى جينتو الكرة عند نقطة المنتصف وتحرك دى ستيفانو فى المساحة المضبوطة لتسلمها كانت هذه حالة من الدقة تشبه التى تميز بها باكو وحالة من حسن استخدام المساحات التى اشتهر بها ألفريدو.

أما اليوم فعندما يقوم لاعب ما بالتحرك وبعدها، كما يحدث عادة، ينطلق داخل منطقة الجزاء فلا يمكن اعتبار هذا إنجازا استثنائيا. وإذا سجل لاعب واحد من بين مئة هدفا من هذه النقطة فهذا ما يطلق عليه «التسجيل من موقف فيه إحكام السيطرة على الكرة».

ولكم كانت الأسماء والتشكيلات التى تم التحدث عنها فى هذا الأمر عديدة فهناك مصطلح كاريليروس بمعنى اللاعبين الذين يجوبون الملعب ذهابا وإيابا على الأطراف (مشتقة من كلمة كاريل الأسبانية التى تعنى مضمار) وهناك الخمسات المزدوجة والتسعات المزدوجة ولاعبو خط الوسط المختلطون وهناك حتى مصطلح «التسعة المعرفة» (كما سمعت أحد الصحفيين الأرجنتينيين يتحدث يوما ويقول: التسعة المعرفة بالنسبة لى تعنى اللاعب الذى يحمل الرقم تسعة على قميصه أما التسعة غير المعرفة فهى للاعب الذى يرتدى الرقم سبعة على قميصه واثنان بمكان آخر!! أو ربما خمسة وأربعة!!).

بالنظر إلى التأثير الذى تحدثه «ثقافة الأرقام» هذه التى تتخلل اللعبة فإن الشكوك تكاد تقتلنى: فمثلا إذا أعطينا لجاتوسو القميص رقم ١٥ (وهو فى الأرجنتينية يرمز إلى الفتاة الجميلة التى بدأت تنضج أو أحد الأرقام المحظوظة فى لعبة اليانصيب) فهل سيشهد فجأة تحولا إعجازيا ليصبح توتى أو ديل بييرو أم أنه سيظل جاتوسو مع ذلك؟

أعتقد أنه سيظل جاتوسو ولكن إذا كان يريد أبناء الأرقام القيام بمحاولة ما فى هذا الأمر فليكن. لقد استمعت فى الآونة الأخيرة للعديد من التعبيرات الهمجية مثل أن يقال: لا إننى لاعب أراقب لاعبا آخرا بعينه ولست أراقب لاعبا فى منطقة بعينها. فهل اللاعب الذى يراقب فى منطقة بعينها تكون مهمته مراقبة المنطقة أو الملعب وتجاهل اللاعب المنافس؟

إن خطة اللعب الجيدة لا تحتاج إلى التمويه. فإذا لعب فريق ما بلاعبى خط وسط مقاتلين ولاعبى خط وسط مدافعين أو حتى إذا ترك لاعباً فذاً مثل روبرتو باجيو على مقاعد البدلاء فسيكون هناك شخص مسؤول عن هذا الوضع. دائما ما يكون هذا الشخص موجودا. وهو أيضا سيكون المسؤول إذا ما نزل باجيو الملعب وخرج ديل بييرو منه. ليس من الضرورى تشتيت الانتباه. إذا قرر فريق ما الدفع بثمانية مدافعين وثلاثة مهاجمين فهذا حقه فى تقرير فكرته عن اللعبة.

لأكون أكثر تحديدا سأقوم باختيار فريق الآن، ولكن هذا فقط ما سأفعله ولن أنجرف بعدها مع «تسونامى» أرقام التليفونات التى يدأب من يطلق عليهم خبراء فى ترديدها كما لو كانت من الكتاب المقدس. ولا شك فى أن نتيجة تركيبتهم العلمية هذه ستصنف التشكيل البرازيلى هذا على أنه الأكثر اتساما بالروح الدفاعية فى تاريخ البلاد.. ٤/٥/١ ولكن اسمحوا لى الآن أن أذكر أسماء لاعبى خط الوسط الخمسة فى هذه التشكيلة: بيليه وكلودوالدو وجيرسون وريفيلينيو وتوستاو.

أقترح الآن على المتخصصين أن يبدأوا فى مراجعة نظرياتهم التحليلية. كفاكم أرقام تليفونات ولتستبدلوها بمعايير تقييمية أخرى مثل الأسماء والسمات.

ولدى اقتراح آخر: توخوا الحذر مع التقديرات التى تميل باسم الحداثة إلى التقليل من قيمة ما حدث فى الماضى مما يحولها لاحقا إلى أكاذيب واضحة سواء كان ذلك بسبب عدم فهمهم للعبة أو لغرض ما فى نفوسهم. لذا إذا قررنا وضع كل شىء فى مكانه الصحيح فمن غير المرجح أن نواجه أمرا جديدا، لو فهمنا أن لعبة كرة القدم تشتمل على أربع حركات أساسية هى الدفاع والاستعادة والتطوير والتعريف فى اللعبة.. أن ندافع عن حلق المرمى ونستعيد الكرة وتطوير التحركات بالكرة وتعريف المواقف مع الكرة.

من أجل حل المشكلة الوحيدة الممكنة عندما تكون الكرة فى حيازة الفريق المنافس، أو لنقل إذا كان يجب علينا أن ندافع فإننى أنصح بتنمية مهارات الاستحواذ على الكرة فهذا الأمر يحفز اللاعبين ويجنبهم الإرهاق (فى محاولاتهم لاستعادة الكرة).

لا يوجد شىء أصعب وأكثر إرهاقا من محاولة اللحاق بلاعب يستحوذ على الكرة، فهو يلعب وأنت تجرى خلفه. بالتأكيد لا يوجد ضمان بتحقيق النجاح سواء فى هذه الطريقة أو فى أى طريقة أخرى. ولكننى أرى أن هذه هى الطريقة الوحيدة.