ياسر أيوب يكتب : أكذوبة الحلم المستحيل

لا أفترض مسبقا أن كل قارئ مهتم بالرياضة وحوادثها وملفاتها فى العالم إلى درجة متابعة صدامات وتصريحات تجرى وتقال على الساحة الكروية العالمية.. ولهذا أختصر جاهدا يوم قال جوزيف بلاتر، رئيس الفيفا، قبل انتخاباته الأخيرة فى ٢٠٠٧.. إنه لم يعد يريد البقاء رئيسا للفيفا أكثر من دورة واحدة مقبلة، سيجمع بعدها حقائبه ويرحل تاركا المنصب والمقعد لغيره يقود الفيفا بأفكار ورؤى وطموحات جديدة..
لكن بلاتر بعدها تراجع تماما عن وعوده وتصريحاته وقرر أنه سيبقى رئيسا طالما أمكنه ذلك، لأنه معذور.. يخشى انهيار الفيفا دون بلاتر.. وحين أرادنا بلاتر أن نصفق له كلنا وأجسادنا ترتجف تأثرا وعيوننا تتبلل دمعا من فرط الإشفاق على الرجل العجوز الذى سيتحمل كل المواجع والهموم لمجرد حماية الفيفا ومواصلة المسيرة.. خرج القطرى محمد بن همام، رئيس الاتحاد الآسيوى، يعارض بلاتر، مطالبا بتغيير قانون الفيفا حتى لا يبقى أى رئيس أكثر من دورتين فقط..
وصال ابن همام وجال وهو يعدد مزايا تحديد مدة الرئيس.. وأطال فى شرح مزايا الفكر الجديد والدم الجديد وكل ما هو جديد.. وحين بدأت قطر تخوض سباق استضافة المونديال ٢٠٢٢.. ولم تكن قطر لتنجح حتى فى الحلم إلا بموافقة السيد بلاتر.. اضطر ابن همام لتأكيد أن بلاتر يستحق البقاء رئيسا للفيفا ما شاء له الله والعمر والجمعية العمومية.. لكن المأساة الحقيقية كانت منذ أيام حين بدأ ابن همام يتحدث عن الانتخابات المقبلة للاتحاد الآسيوى العام المقبل.. وفوجئ الجميع بابن همام يرفض تماما الاكتفاء بدورتين وسيخوض الانتخابات المقبلة لدورة ثالثة..
وأكد الرجل أنه معذور أيضا، لأنه مضطر لذلك، حيث لم يستكمل بعد كل خططه وطموحاته لتطوير كرة القدم فى آسيا.. ونسى بن همام تماما كل ما كان يقوله ويدعو إليه منذ أشهر قليلة.. أما عيسى حياتو، رئيس الاتحاد الأفريقى، فكان هو أخفهم دما وأكثرهم مرحا.. فقد أكد أنه باق رئيسا للكاف.. ومضطر لذلك أيضا.. لأنه لا يريد ترك رئاسة الكاف قبل أن يرى بنفسه دولة أفريقية تفوز بكأس العالم.. اللهم أعطنا وأعط حياتو طول العمر وفسحة الأمل والتمنى والرجاء وتفوز أفريقيا بالمونديال حتى ينال حياتو اخيرا ما يستحقه وما يحتاجه من صفاء وراحة بال.. وليس هذا الحلم المستحيل.. الكاذب.. هو المشكلة الوحيدة التى تواجه كل من يتابع تصريحات ووعود متناقضة للرؤساء الثلاثة.. إنما هناك ما هو أخطر من ذلك..
فقبل ٤٨ ساعة فقط يبدو أن ابن همام اكتشف شيئا فى كواليس الفيفا لا يرضى عنه ولا ترضى قطر.. فخرج الرجل يتهم الفيفا بالريبة والشكوك بعد إصرار بلاتر على اختيار الدولة الفائزة بمونديال ٢٠٢٢ بعد شهرين فقط وليس فى عام ٢٠١٦ وفقا لنظام الفيفا المتبع دوما فى إسناد كل البطولات السابقة.. وألمح ابن همام إلى أن هذا التعجل قد يعنى أشياء كثيرة، واتهم بلاتر صراحة بأنه يسرق حقوق أعضاء جدد فى اللجنة التنفيذية للفيفا واختار بدلا منهم الدولة صاحبة مونديال ٢٠٢٢..
أما حياتو.. فقد اتفق مع قناة الجزيرة على أن يبيع لها حقوق بث كل نهائيات كأس الأمم الأفريقية.. وهذا أمر طبيعى.. وأيضا كل مباريات التصفيات التى تملكها الدول الأفريقية وليس عيسى حياتو ورجاله.. وكأننا أمام رجال لم يعد الواحد فيهم يثق فى بقائه على مقعد السلطة حتى وفاته.. سواء نتيجة إعلام مشاغب أو صحافة وبرامج قليلة الأدب وطويلة اللسان.. فقرر كل رجل منهم أن يستحوذ على كل ما يمكن أن تطاله يداه - اليوم وليس غدا - فلم يعد هناك وقت للفاسدين.. ولا صبر أيضا.. فالمال الحرام.. تماما مثل الماء المالح.. لا يمكن أبدا أن يبل الريق أو يروى الظمأ.